الحمد لله والصلاة على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه و من سار على نهجه وخطاه ثم أما بعد
فقد خطر لي أن اجمع موضوعا في أهم الآداب لنقل المواضيع والذي نراه بكثرة من بعض إخواننا وأرى في ثنايا هذه المنقولات من الزلل ما لا يرضاه ربي عز وجل فقلت أنصح نصيحة أخت محبة لإخواتها ببعض ما أرى وجوبه عند نقل المواضيع .
وقد قال صلى الله عليه وسلم : (كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع)[رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ]
و أسأل الله أن يعينني على ذلك وعلى الإخلاص في القول والعمل إنه ولي ذلك والقادر عليه
أولا : الإخلاص لله تعالى في القول والنقل
لا شك ان أول ما أنصح نفسي و إخواني به في النقل والكتابة وفي كل عمل هو إخلاص العمل لله عز وجل واحتساب الأجر عنده سبحانه وتعالى وحده ولا شك أن إخلاص النية شرط لصحة العبادة فما لم يصح لم تصح
وقد قال الله تعالى : { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } [ الشورى/20]
وعن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا وما الشرك الأصغر يا رسول الله قال الرياء يقول الله عز وجل إذا جزى الناس بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء ) [رواه أحمد وابن أبي الدنيا والبيهقي في الزهد وغيره وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب]
وعن أبي سعيد بن أبي فضالة وكان من الصحابة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى مناد من كان أشرك في عمله لله أحدا فليطلب ثوابه من عنده فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك) [رواه الترمذي في التفسير من جامعه وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقي وغيرهم وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي]
فليكن مرادنا في كل قول او نقل أو عمل هو الله سبحانه وتعالى والاخلاص سبيل لنصر الله عز وجل لعباده
فعن مصعب بن سعد عن أبيه ( سعد بن أبي وقاص ) رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم ) [رواه النسائي وغيره وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب ]
ثانيا : الحرص على نقل ما فيه الخير والفائدة واجتناب ما ليس فيه نفع
لعل إخوتي يرون كما أرى كثيرا من المواضيع التي تتناقل هنا وهناك وتنتشر انتشار الجراد وما فيها إلا الضرر نسأل الله العافية
فأذكر نفسي وإخوتي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء و من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها و وزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ) [ رواه مسلم و أحمد والنسائي والترمذي وغيرهم عن جرير ]
فالمسلم طيب لا يقع إلا على طيب ولا ينقل إلا طيبا فعليكم بنقل ما فيه الخير واحذروا السيئات الجارية
{ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تتُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم/ 24، 25] {وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ * ُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ } [إبراهيم/ 26، 27]
ثالثا : ألا ينقل إلا ما هو موثق ثابت
تعقيبا على الفقرة السابقة أقول إن من السيئات الجارية تلك الأحاديث الموضوعة والمكذوبة على رسول الله والتي ينقلها أصحابها على انها من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منها براء
و إن تعجب فعجب ما نرى من مقالات لا يعدو ان يكون قائلها أحد المغفلين تنشر على أنها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يكتب في عقبها ومن نشرها كان له كذا وكذا من الأجر ومن كتمها كان عليه كذا وكذا من الوزر والله المستعان على ما يصفون
فأقول أيها الإخوة أن مما يجب علينا ألا ننقل حديثا أو نقلا إلا بعد التثبت ممن نقله ورواه ومن صحته و إن كان كاتب الموضوع لم يذكر للأحاديث سندا أو صحة فلا بأس ان يطالب بمرجعه الذي نقل منه و أن ينبه على عدم ذكر الآثار والنصوص إلا موثقة حذرا من الوقوع في مثل قوله صلى الله عليه وسلم : "" من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين "" . [رواه مسلم عن سمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة]
فالوعيد شمل راوي الحديث المكذوب ( دون أن يبين حاله ) ومفتريه كلاهما في الاثم سواء وكلاهما من الكاذبين والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم كبيرة من الكبائر جاء فيها الوعيد كما في الحديث المتواتر عن عشرات الصحابة ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) [متفق عليه]
رابعا : أمانة النقل
وفي أمانة النقل لا بد لي من أن أتحدث عن أمرين اثنين أولهما سرقة المواضيع والأخر نقلها مع التغيير والتعديل فيها
و سرقة المواضيع منتشرة في المنتديات بكثرة سواء بقصد او دون قصد وكلا الأمرين خطأ فإن من امانة النقل أن ترد الكلام إلى قائله و إلى مصدره الحق ولا يعرف الفضل لأهله إلا أهل الفضل و من نقل نقلا فنسبه لنفسه متعمدا دون أن يرده لمرجعه يخشى عليه من الرياء ومن النفاق
وقد قال الله تعالى : ( لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) فكن امينا و إياك والتدليس على الناس والتدليس مأخوذ من الدلس و هو اختلاط النور بالظلام وسارق الموضوع حين لا يذكر كاتبه الأصلي يدلس على الناس ويوهمهم بأنه كاتبه
وقد قال شعبة بن الحجاج رحمه الله ( لأن أزني أحب إلي من أن ادلس ولأن أشرب من بول حمار حتى اروي ظمأي احب إلي من ادلس والتدليس اخو الكذب )
هذا و التدليس في نقل المواضيع لا ينحصر في عدم ذكر كاتب الموضوع فحسب بل يتعدى إلى الذين ينقلون المواضيع وينسبونها لأصحابها ثم يعدلون فيها برأيهم دون التنبيه فينسبون لكاتب الموضوع ما لم يقله
ولقد رأيت أحد النقلة غير في الموضوع عنوانه فقط فاختلفت بعض أفكار الموضوع لتغيير العنوان فقط فما بالك بالذين يحذفون ويضيفون ثم يكتبون في آخره كتبه فلان وهو منه براء ( بهذه الصيغة ) والواجب هنا ان يكتب منقول من فلان بتصرف
لكي لا ينسب إليه كلاما لم يقله فيقع بنوع آخر من انواع التدليس فاتقوا الله يا من تنقلون المواضيع وانقلوها كما هي دون تعديل وتزوير واذكروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع ) [رواه أبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال رحم الله امرأ عن ابن مسعود وصححه الألباني ]
فتامل قوله صلى الله عليه وسلم فبلغه كما سمعه فإن فيه شفاء لصدور المبدلين المغيرين
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } [ آل عمران/71]
{ وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } [ آل عمران/187]
هذا والله اعلم
وقد كان ثم أفكار و آداب أخرى سريعة آثرت أن أرجيها إلى وقت آخر لأرتبها أسأل الله أن يهيأ لي العودة عودا حميدا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل