بسم الله الرحمن الرحيم
كيف نفهم القرآن ؟!!!
(ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان لهم أجراكبيرا ) الاسراء 9
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ،
وبعد :
فانني أرى وترون معي ياأمة الاسلام حال المسلمين هذه الايام ، وقد جعلهم الله أحاديث يتلهّى بها العالم أجمع ، ومزقهم كل ممزق في أرض أمة الاسلام التي طالما انطلقت منها جحافل الجيوش الجرارة حاملة رايات الجهاد لنشر دين الله في بقاع الأرض على مرّ العصور الاسلامية
وقد صار لزاما علينا نحن المسلمين الآن أكثر من أي وقت مضى من وقفة المراجعة للذات ومحاسبة النفس في مواجهة الحقيقة ولبّ المشكلة وأساس الدّاء ، ووقفة الانابة إلى الله العلّي القدير نخرّ له سجّدا وبكيّا ، مستغفرين تائبين ، مستمسكين بالعروة الوثقى وحبل الله المتين " القرآن الكريم " ، ننهل من هديه القويم ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين .
وبعد :
فهذه وقفة مع هدي القرآن الكريم المبدوء بسورة الفاتحه والمختوم بسورة الناس ، وقد فتح الله عليّ من هديه القويم في تدبّر آيه الحكيم أن الناس منقسمون الى ثلاثة أصناف ،
أولها : المؤمنون المهتدون الى الصراط المستقيم
وثانيها :الكفار المغضوب عليهم
وثالثها: المنافقون الضالون
فذلك قوله تعالى في سورة الفاتحة : ﴿ اهدنا الصّراط المستقيمصِراط الذين أنعمتَ عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ﴾
بهذه الخواتم _ وما قبلها _ من فاتحة الكتاب بدأ الله كتابه العزيز وثنّى عليها في البيان والتعزيز بالفواتح من سورة البقرة ، ذلك أن القرآن يفسّر بعضه بعضا ، وأن الله تعالى يقول :
﴿ ونزّلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيءوهُدى ورحمة وبشرى للمسلمين ﴾
النحل 89﴿ ولقد جئناهم بكتاب فصّلناه على علم هُدى ورحمة لقوم يؤمنون ﴾ الأعراف 52 ﴿ وأنزلنا اليك الذّكر لتبيّن للناس ما نُزِّل اليهم ولعلهم يتفكّرون ﴾ النحل 44 ﴿ يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصّدور وهُدى ورحمة للمؤمنين ﴾ يونس 57 ﴿ ولو جعلناه قرآنا أعجميّا لقالوا لولا فُصّلت آياته أعجميّ وعربيّ قل هو للذين آمنوا هُدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك يُنادَون من مكان بعيد ﴾ فصلت44
﴿ ونُنزِّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا
خسارا ﴾ الاسراء 82
﴿ ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويُبشّر المؤمنين الذين يعملون الصالحاتأ ن لهم أجرا كبيرا ﴾ الاسراء 9 ﴿ وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتّبعوه واتّقوا لعلكم تُرحمون﴾ الأنعام 155﴿ كتاب أنزلناه اليك مبارك ليدبّروا آياته وليتذكّر أولواالألباب ﴾ ص 29﴿ افلا يَتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها ﴾ محمد 24
فكانت الآيات الخمس الأوائل من سورة البقرة في وصف المؤمنين المهتدين الى الصراط المستقيم ، وكانت الآيتان السادسة والسابعة منها في وصف الكفارالمغضوب عليهم ، وكانت الآيات التي تلتها من بداية الثامنةحتى نهاية العشرين منها في وصف المنافقين الضالين
فهاكم النص القرآني : ﴿الم ¤ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ¤الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ¤ والذين يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون ¤أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ¤ان الذين كفروا سواءعليهم أأنذرتهم أملم تنذرهم لا يؤمنون ¤ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى ابصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم ¤ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ¤يخادعون اللهوالذين آمنوا وما يخدعون الا أنفسهم وما يشعرون ¤في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ¤واذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا انما نحن مصلحون ¤ألا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ¤واذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء الا انهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ¤واذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا واذا خلَوا الى شياطينهم قالو انا معكم انما نحن مستهزؤون ¤الله يستهزىء بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون ¤أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ¤مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهبالله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ¤صم بكم عمي فهم لا يرجعون ¤أو كصيّب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين ¤يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه واذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم ان الله على كل شيء قدير ﴾ البقرة 1_ 20
وهذا الوصف لهذه الأصناف الثلاثة من الناس مع اجراء المقارنات والمفاضلات بينها سواءا في الحياة الدنيا أو في الآخرة مع بيان طبيعة علاقة كل منها بالآخَر سواءا في الحياة الدنيا أو في الآخرة ، أقول : هذا الوصف يتكرّر في القرآن الكريم حتى اذا ما استثنينا بعض قصار السّور لا تكاد سورة منه تخلوا من هذا الوصف لهذه الأصناف الثلاثة من الناس _ راجع القرآن الكريم _ذلك فضلا عن أن الله سبحانه وتعالى اختصّ من سور قرآنه الكريم ثلاث سور يحمل كل منهااسم صنف من هذه الاصناف الثلاثة من الناس ، وهذه السّور القرآنية هي :سورة المؤمنون وسورة المنافقون وسورة الكافرون
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل اذ يقول في محكم التنزيل
(أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)النساء 82)ولقد آتيناك سبع امن المثاني والقرآن العظيم )الحجر 87 _ السبع المثاني هي " الفاتحه " أعظم سورة في القرآن بنصّ الحديث الشريف _)الله نزّل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر
الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد( الزمر 23
ومن الجدير بالذكر أن هذا التقسيم للناس في القرآن الكريم الى هذه الأصناف الثلاثة ، انما هومتعلق بالناس كافة منذ بعثة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الى يوم القيامة
وبعد :
فان الله تعالى يقول في محكم تنزيله عزّ من قائل :
(قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم وان تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا ان الله غفور رحيم * انما المؤمنون الذين آمنوابالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون * قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شيء عليم * يمنّون عليك ان اسلموا قل لا تمنوا عليّ اسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للايمان ان كنتم صادقين * ان الله يعلم غيب السماوات والأرض والله بصيربما تعملون )الحجرات 14 - 18
فبهذه الخواتم من سورة الحجرات فرّق الله بين الحق والباطل تفريقا بيّنا فيه استبان الضلال من الهُدى ، اذ فرّق الله فيها بين طائفتين من الناس كلاهما تدّعي أنها على الايمان والحق والهدى لمجرد كونهما اجتمعتا في أمة واحدة جعل الله لها شرعة واحدة ومنهاجا واحدا ومنسكا هم ناسكوه ، مصداقاً لقوله تعالى
لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) المائدة 48 وقوله تعالى : (لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه )الحج 67 فكان ذلك تفريقا من الله سبحانه وتعالى بين الايمان والنفاقفي دينالاسلام ، فالايمان انما هو الايمان بالغيب في القلب وهو لا يتأتى الا للمؤمنين المهتدين الى الصراط المستقيم من المسلمين ،أما النفاق فانما هو اسلام الجوارح غير المنبثق عن الايمان بالغيب في القلب وان صاحب ذلك ادّعاء الايمان بالغيب باللسان وهو ما عليه المنافقون الضالون من المسلمين (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم)المائدة 41 0واسلام الجوارح هذا لدى المنافقين انما هو جزء من الاسلام الكامل لله تعالى ، والذي يتضمن ايمان القلب بالغيب وهداية العقل للآخرة بالأضافة الى اسلام الجوارح فهذا الذي يحقق الهداية الى الصراط المستقيم ، ألا وهو الاسلام الكامل لله تعالى ، بمعنى الانقياد التام والخضوع المطلق له وحده سبحانه وتعا لى
(واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل ربنا تقبل منا انك أنت السميع العليم * ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لكوأرنا مناسكنا وتب علينا انك أنت التواب الرحيم *ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم انك أنت العزيزالحكيم * ومن يرغب عن ملة ابراهيم الا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وانه في الآخرة لمن الصالحين * اذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين) البقرة 127 – 131)فمن يُرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يُرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقا حرجا كأنما يصّعّد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون)الأنعام 125)ان الدين عند الله الاسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فان الله سريع الحساب * فان حاجّوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتّبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فان أسلموا فقد اهتدوا وانتولّوا فانما عليك البلاغ والله بصير بالعباد)آل عمران 19 ، 20
)ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين( آل عمران 85)بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عندربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) البقرة 112)ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتّبع ملة ابراهيم حنيفا واتخذ الله ابراهيم خليلا) النساء 125)ومن يُسلم وجهه الى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى والى الله عاقبة الأمور( لقمان 22)وما أنت بهاد العُمي عن ضلالتهم ان تُسمع الا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون)الروم 53)ان للمتقين عند ربهم جنات النعيم * أفنجعل المسلمين كالمجرمين * مالكم كيف تحكمون) القلم 34 – 36
وبعد، فقد كان الكثير من المسلمين على مرّ العصور الاسلامية ، وكذلك الغالبية العظمى من المسلمين هذه الأيام ، يظنون أن الخوض في مسألةالنفاق هذه من المحظورات قي الاسلام ، وأنه لا يجوز الاقتراب منها البتة)وما لهم به من علم ان يتّبعون الا الظن وان الظن لا يُغني من الحق شيئا) النجم 28ذلك أن القرآن الكريم والسُنة النبوية الشريفة والسيرة النبوية العطرة وسُنّة الخلفاء الراشدين المهديين وحياة الصحابة الكرام ، كلها تنطق بما لا يدع مجالا للشك بخطورة هذه المسألة أي النفاق على الفرد والأمة معاً ، مما يحتم ضرورة الخوض فيها وكشفها على الملأ
فهذا أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – وهو صاحب المكانة المرموقة في الاسلام بعد النبي المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم ،وصاحب الايمان الذي يكفي أهل الأرض جميعا ، كان دوما يمسك قلبه بيمينه ويجأر بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك ) خوفا على قلبه أن يزيغ عن الحق والهدى ، ويقول وهو يبكي : ( يا ليتني كنتُ شجرة تُعضد ) فاذاذُكّر بمقامه عند الله أجاب : ( والله لا آمن لمكر الله ولو كانت احدى قدميّ في الجنة )
ذلك أن المؤمن المهتدي الى الصراط المستقيم يدرك ايمانه ويخاف نفاقه فهودائم الهروب من النفاق الى الايمان
واما المنافق الضّال عن الصراط المستقيم فلا يدرك نفاقه فتغرّه أعماله ويظن أنه مؤمن فهو دائم الهروب من الايمان الى النفاق0يقول الله تعالى في حق المؤمنين المهتدين): والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجِلة أنهم الى ربهم راجعون) المؤمنون 60 ويقول في حق المنافقين الضالين) : يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا انهم هم الكاذبون ) المجادلة 18
* * * * * * *
)وعد الله المنافقين والمنافقات والكفارنار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم * كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوابخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضواأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون * ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمودوقوم ابراهيم واصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبيّنات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون * والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهَون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله انالله عزيز حكيم * وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيهاومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم)التوبة 68 – 72 0
)ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفّر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما * ويعذّّب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانّين بالله ظنّ السّوء عليهم دائرة السّوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعدّ لهم جهنّم وساءت مصيرا) الفتح 5 ، 6 0
)انّا عرضنا الأمانة على السّماوات والأرض والجبال فأبَين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان انّه كان ظلوماً جهولا * ليعذّب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفوراً رحيما)الأحزاب 72 ، 730
)وانّي لغفّار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثمّ اهتدى) طه 820
* * *
نسأل الله الهداية والثبات وحسن الخاتمة قبل الممات
سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ،
والحمد لله رب العالمين