بسم الله الرحمن الرحيم
الحوارُ هو كلمة من أربعةِ أحرفٍ ، تعنى مراجعة كلام و الرد عليه، لكنَّها تحومُ حولها الكثير من الأصول و الآداب
تلكَ كلمة حلَّاها البعضُ بالآداب و أخلاق الحديث السامية ، و شتت أحرفها البعضُ بالتعصُّب و سوء الفهم .
أناسٌ أدركوا غاية الحوار ، و أقاموا الأصول و البينات بينهم ، و التزموا بحسن التخاطب ،
و حكَّموا أمرَ الله و إرشاد رسوله صلى الله عليه و سلم فيما بينهم و بعدوا عن التعصب .. أولئك هم أهل الفضل ،
و تلك هي النزاهة في الحوار !
و على النقيد .. فهو التعصب و الجهل بعينه !
و المنتدى ؛ ذلك الصرحُ العظيم ، الذي خُصص للحوار و المحاورة ، الحوار المثمر الذي ينمي الود
و يُفيد العقل ، فالواحد في المنتدى يتعلَّم من أخيهِ و يحاول الإقتداء به إذا كان حسن الخلق ، متأدب في الحوار
مُبتعدٌ عن التعصبِ و الشجار .
لكن من الظلم أن نقول أن هذا الشخص القدوة ، قد غابَ عن سماء المُنتديات .. بل و لله الحمد هم متواجدون
و لا يزال الناسُّ منهم يتعلمون ، و لحديثهم محبين، و لحكمتهم مُباركين .
و مع ذلك أيضًا فكل مكان مليء بمجموعة من النَّاس ، محبة بل مولعة بالجدال و تخْطِئة وجهة نظر الآخر
بحجَّة أن لكل وجهة نظره ، و أن من حقه أن يكشف عن رأيه ، و هلمَّ جرّا .. حتى ينتصر لنفسه و يُعلي من شأن
مشاعره الخاطئة ، لا يقبلُ نصحًا أو مناصحة ، بل إنَّ التعصب هو بيدبه ،
و حُجته الباطلة هي ستاره الذي يستتر خلفه .
و قد يكون غير هذا ، فجهله يدفعه بدون مقصدٍ منه إلى التعصب و القيل الخاطيء .
ما هي غاية الحوار ؟
- إنها لغاية سامية ، عكسها النَّاسُ فما أصبحت غاية !
إن غاية الحوار هو إقامة الحُجَّة الواضحة على الطرف الآخر ، و إرشادهُ إلى الصواب بالهدوء
و تبصرته بخطأه ، و التعرف على وجهة نظر الآخرين و بعض طرق تفكيرهم .
ما هي آداب الحوار ؟
1- الإخلاص
وجبَ على المُحاور أن يقيم نفسه بالإخلاص ، فيكون قوله و نصحه لوجه الله تعالى
و يبتعدُ عن الرياء ، و حب ثناء الآخرين عليه
2- تحري الصدق والأقوال الطيبة
وجبَ على كل متحدثٍ أن يحدث صدقــًا ، ويقول طيـبــًا ، مهما بلغ الخلاف والجدال
فكما قال صلى الله عليه وسلمَ : [ الكَلِمَةُ الطَّيبةُ صدقة ]
ويقول الله عزَّ وجل :[ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَن ]الاسراء :53
وقال سبحانه أيضا [ فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ] طه44 .
3- عدم الهجوم على الطرف الآخر
ومــن ذلك الحلم والأناة والصبر ، وحسن الخلق ، فحذار من الهجوم بسيء الكلام
والأفعال على الطرف الآخر ، وليكن الحديث بالهدوء والحُسنى هو دربنا .
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم -
[ليس المؤمن بالطعَّان، ولا اللعَّان، ولا الفاحش، ولا البذيء] أخرجه البخاري في الأدب المفرد (312)
4- إحترام رأي الآخر
فبالاحترام للآخرين وتقدير آرائهم ،نصل إلى سهولة الفهم وقبول الحق ومجاراة الحوار
دون تعرض لإيذاء أحد ، فيجب علينا تقدير رأي الآخرين وإعطاء كل ذي حق حقه .
5- حسن الاستماع والفهم
الواجب والأصل هو حسن الاستماع بلا مقاطعة مهما طال الحديث ، ولكِ في رسول الله صلى الله عليه
وسلم قدوةً حينَ كان يصغي لبعض المشركين بسوء كلامهم، وحينما قال صلى الله عليه وسلم لأبي الوليد:
"أوقد فرغت يا أبا الوليد؟" قال: نعم. فتكلَّم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من القرآن .
6- التواضع
فلا يظهر المحاور بمظهر الكبرياء والعظمة ، ولا يسلك مسلك السخرية من الآخرين
ويتجنب مدح النفس وكثرة التحدث عن بطولاته أثنـــــــاء الحديث ولا يكثر من ألفاظ " أنا ، و أرى ، وفعلت .. "
ونحو ذلك ، على سبيل الإعجاب بالنفس .
ومن التواضع أيضا التراجع عن الخطأ والإقرار به .
7- الموضوعية
وهي مراعاة الموضوع وعدم الخروج عن إطـــاره ، وهذا من حسن الفهم ويؤدي إلى الوصول للغاية
المنشودة من الحوار .
8- الهـدوء
فلا تتحدثي ونيران الغضب تثور من عينيكـِ ، وإن كنتِ غاضبة فاستعيذي بالله من الشيطان وأجلي الحوار
لوقتٍ لاحق ، وحذار ورفع الصوت ، فنبرتكِ الهادئة تدل على حسن تأدبك .
9- عدم فرض الرأي
فلا تلزمي الطرف الآخر على تطبيق رأيك ، بل ما عليكِ فقط هو النصح وتوضيح فِكَرك
فالإلزام فقط في كلام الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ، أما كلامكِ الشخصي أنتِ فلا .
وإن وجدتِ أنه لا فائدة من الحوار بعد محاولات طويلة ، فاتركي الحوار وعليكِ بالدعاء ، وتجنبي الجدال
قال صلى الله عليه وسلم يقول :[ أنا زعيمٌ ببيتٍ في ربضِ الجنة لمن ترك المِراءَ وإن كان مُحقّاً ] .
وأنبه على تلك النقطة خصوصًا في المنتديات التي لا تكاد تخلو من أهل الجدل في الملل والمذاهب وغيرها
فالهجر هو الأفضل .
10- العلم
إياك ثم إياك ثم إياك والتحدث بغير علم ، فإنكِ بالعلم أشدُ قوة وأشد قولا وأشد رأيا .
‘ـ
كوني أختاه ، متأدبة في حوارك ، سهلة في كلامك ؛ فهو طريق لكسب الود والتأثير على الآخرين بيسرٍ
وحسنَ خلقٍ لكِ به عند الله الثواب .
وابتعدي عن التعصب لرأي بعينه وعن الشجار والطعن وقد قال الله:
[وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين] ،
وخذي من هذا وذاك وابحثي عن الحق وحاوري الآخرين بوضوح وصبر ، وحاوري كلاً على قدر عقله .
والله المستعان ،،