tأقسام الشرك
الشرك ينقسم إلى قسمين، ألا وهما: شرك أكبر. وشرك أصغر. ......
الشرك الأصغر: الرياء
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الأحبة! ويبقى الحديث عن القسم الثاني من أقسام الشرك، وقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم هذا القسم في حديث صحيح رواه الإمام أحمد في مسنده، والإمام الطبراني في معجمه الكبير، وصحح الحديث شيخنا الألباني في صحيح الجامع من حديث عمران بن حصين وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء، يقول الله يوم القيامة إذا جازى خلقه أو عباده: اذهبوا إلى من كنتم تراءون في الدنيا هل تجدون عندهم جزاءً). فيا من لا تؤدي العبادة لله جل وعلا وإنما لابتغاء المحمدة والثناء عند الخلق، عند المهازيل من البشر؛ اتق الله! واعلم بأنه لا يوجد مخلوق على ظهر هذه الأرض يستطيع أن ينفعك أو يضرك إلا بأمر الله جل وعلا، فوجه عبادتك وتوحيدك لله عز وجل؛ لأن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً صواباً، والخالص هو ما ابتغي به وجه الله، والصواب هو ما كان موافقاً لشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110]. والرياء لغة: مشتق من الرؤية، وشرعاً: هو إرادة العباد بطاعة رب العباد، بأن تبتغي بعملك الثناء عند الناس والمحمدة والشكر ولا تبتغي بعملك وجه الله جل وعلا، اعلم حينئذٍ بأن عملك حابط ومردود على رأسك؛ لأن الله أغنى الأغنياء عن الشرك، لا يقبل ذرة شرك في عمل من الأعمال، بل يترك عملك وشركك إلى من وجهت العمل إليه عياذاً بالله. فيا أيها الحبيب الكريم! أخلص العمل لله وأخلص العبادة لله، أذكر نفسي وإياك، وأسأل الله أن يجعلني وإياك من المخلصين الصادقين إنه ولي ذلك ومولاه، ووالله لو لم نسمع في خطورة الرياء إلا حديث أبي هريرة الذي رواه الإمام مسلم وفيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت ليقال شهيد وقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فيؤتى به فيعرفه الله نعمه فيعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمت، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، بل تعلمت ليقال عالم، وقرأت ليقال قارئ وقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل آتاه الله من أصناف المال، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت سبيلاً من سبل الخير تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها، قال: كذبت، ولكنك أنفقت ليقال جواد وقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه في النار) هذه هي خطورة الرياء أيها الأحبة!
الشرك الأكبر
أما الشرك الأكبر فهو: اتخاذ الند لله أو مع الله، بأن يتخذ العبد نداً لله أو مع الله جل وعلا، يحبه كما يحب الله، ويخافه كما يخاف الله، وينقاد له كما ينقاد لله جل وعلا، في جانب الاعتقاد تارة، أو في جانب النسك -أي: العبادة- تارة أخرى، أو في جانب التشريع وهو الجانب المر الحنظل مرة ثالثة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فيا أيها الحبيب! الشرك الأكبر لا يغفره الله إلا بتوبة صادقة، بالإقرار بالوحدانية لله، وبخلع الشرك على عتبة التوحيد من أول لحظة: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]. وهذا الشرك قال الله عنه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:165-167]. وهذا الشرك هو شرك التسوية الذي قال الله عنه على لسان المشركين لآلهتهم في النار قالوا: تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:97-98]، إن هذه التسوية هي بالمحبة والتعظيم والعبادة، وفي التشريع، فلقد قبلوا آراءهم وتشريعاتهم وعظموها أكثر من تعظيمهم لتشريعات ربهم جل وعلا، والله تبارك وتعالى يقول: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:60]، وقال الله عن المؤمنين: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [النور:51]، شعار أهل الإيمان السمع والطاعة، سمع بلا تردد، وطاعة بلا انحراف. هذا الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله جل وعلا، إما أن يتخذ العبد نداً مع الله، وإما أن يتخذ العبد نداً لله نداً يعبده من دون الله أو نداً يعبده مع الله، كشرك هؤلاء الذين يعبدون آلهة أخرى يظنون أنها تشفع لهم عند الله جل وعلا يوم القيامة. والعجيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قطع وسد هذا الباب وقال كما في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة لما سأله: (يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ -أتدرون ماذا قال النبي عليه الصلاة والسلام؟- قال: أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه)، والشاهد أن النبي قد جعل أعظم أسباب الشفاعة: إخلاص التوحيد وتجريد التوحيد لله جل وعلا، فلا يشفع مخلوق عند الله عز وجل، إلا إذا قبل الله الشفاعة ابتداءً، ورضي الله عن الشافع وعن المشفوع فيه أو المشفوع له، مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]، وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ [الأنبياء:28]. ولا يقبل الله من الناس إلا التوحيد الخالص والعبادة الصحيحة لله جل وعلا، فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110]. ويبقى الحديث عن القسم الثاني من أقسام الشرك إلى ما بعد جلسة الاستراحة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.