تَحْذيرُ الأَنَام
مِنَ المُسَلْسَلِ الشِّيعِيِّ: (قِصَّةُ يُوسُفَ -عَلَيْه السَّلام-)!!
بقلم: علي بن محمّد أبو هنيّة
الحمد لله حقَّ حمده, والصلاة والسلام على نبيه وعبده, وعلى آله وصحبه ووفده, أما بعد:
فقد كثر في الآونة الأخيرة السُّؤال عن مسلسل تلفزيونيٍّ تبثُّه بعض القنوات الفضائيَّة الشيعيَّة, والتي اتَّخذت الطَّعن في الصحابة الأبرار والصالحين الأخيار من عباد الله ديناً تدين به, وتعظيمَ القبور والأضرحة والمشاهد عبادة تتعبَّد بها, والقولَ بتحريف القرآن عقيدةً تعتقدها وتنافح عنها, ودعوى عصمة الأئمة أمر مسلَّم لا يداخله شكٌّ ولا يخالطه ريب, وأنَّ أئمتهم المعصومين يتحكَّمون في الخلق, ويتصرَّفون في ذرَّات الكون, ويعلمون الغيب,...وغير ذلك من الضلالات التي هنالك.
هذا المسلسل التلفزيونيُّ الذي تبثُّه هذه القنوات هو مسلسل: «قِصَّةُ يوسفَ الصِّدِّيق -عليه السَّلام-», يلعب فيه زمرة من الممثِّلين الفارسيِّين الهابطين الرَّوافض أدوار بعض الأنبياء والمرسلين والصَّالحين! ودون أيِّ تحرُّج عن تمثيل دور واحد منهم؛ فمنهم من يمثِّل دور يعقوب -عليه السلام-! ومنهم من يمثِّل دور يوسف -عليه السلام-! ومنهم من يمثِّل دور جبريل -عليه السلام-! ومنهم من يمثِّل دور ملك الموت -عليه السلام-! ومنهم من يمثِّل دور (راحيل) والدة يوسف, و(الأسباط) إخوة يوسف, وزوجات يعقوب, وامرأة العزيز...وغير ذلك.
وقد افتُتِن كثير من المسلمين من -أهل السنة- بهذا المسلسل, وتابعه شريحة غير قليلة, زعماً منهم للـ: التَّعرُّف على قصة نبيِّ الله يوسف من (بعضهم)! وكأنَّ ما جاء في كتاب الله لا يكفيهم!
ومَلْئاً لفراغ وقت (بعضهم)! الآخر, وكأنَّ أوقاتهم ليست من أعمارهم!
وفضولاً من (بعضهم)! الآخرين, وكأنَّه ليس عندهم من طاعة الله ما يشغلهم!
وهكذا فلتكن اللامبالاة عند المسلم! التي تضيِّع دينه وهو لا يشعر, دون البحث في حكم ما هو متلبِّس به من عمل!
والأمر الذي دفعني للكتابة في هذه المصيبة القديمة المتجدِّدة -غير ما ذكرت من إقبال جمع من مسلمي أهل السنة- هو أنني لم أرَ أحداً تعرَّض لهذا المسلسل بالنَّقض والرَّد, والذي هو -فيما أحسِب- واجبٌ كفائيٌّ على المسلمين, إن وقع التَّقصير من (بعضهم) فيه أَثِمَ (الجميع), فأحببت أن يكون لي يدٌ في دفع هذا التَّبذُّل والهراء عن خيرة خلق الله من المرسلين والأنبياء, والمجتبَين والأصفياء, الذين نَدين لله بحبِّهم, والدِّفاع عن ذواتهم المطهَّرة, وقد كلَّفني هذا البحث -مضطرًّا- إلى تضييع بعض الأوقات النفيسات بالوقوف على بعض المشاهد واللَّقطات لهذا المسلسل عبر شبكات الإنترنت, واستفدت -أيضاً- ممَّا حدَّثني به عنه بعض الإخوة الثقات, وهو ممَّا لا بدَّ منه ليكون كلامي مبنيًّا على حقائق ومشاهدات, وأدلَّة بيِّنات ساطعات, وليس بمجرد الظنون والتخرُّصات, والأوهام والاحتمالات.
ووالله إنه ليحزننا أن يصل حال بعض أهل السنة إلى هذه الحال المزرية من الجهل المُدَوِّي, والمسارعة لتصديق كلِّ ناعق, والتَّصفيق لكلِّ زاعق, ولكنَّ الله غالب على أمره..
فما هو حكم التَّمثيل بعامَّة؟
وما هو حكم تمثيل الأنبياء والمرسلين بخاصَّة؟
وما حكم بثِّ وترويج هذا المسلسل وأمثاله عبر الفضائيات والشبكات؟
وهل يجوز للقنوات المسلمة تبنِّي مثل هذا المسلسل؟
وما هي المفاسد التي تلحق بدين المسلم المترتبة على حضور مثل هذه المسلسلات؟
وما هي الأمور المنكرة التي تزيد على قضيَّة التمثيل في هذا المسلسل؟
وللإجابة عن كل هذه السُّؤالات والتَّساؤلات؛ قمت بكتابة هذا البحث مضمِّناً إيّاه عدة عناوين جانبية مدرجاً تحتها الأدلَّة والنُّصوص وكلام أهل العلم في حكم هذا العمل الشنيع والجرم الفظيع.
غزو الشيعة للفضائيات وكثرة قنواتهم:
لا شكَّ أن المدَّ الشيعيَّ لا يقف عند حدود معينة, ولا يرتضي سبيلاً واحداً يلج فيه, فهو يدقُّ كلَّ باب يجده, ويستعمل كلَّ أداة تتاح له لنشر المذهب الشيعي الباطل, وكيف لا وهذا المذهب تتبنَّاه دولةٌ من الدُّول التي عاثت في دين الناس خراباً, وأضحت تحسب لها ملوك بني الأصفر حساباً! وآخر هذه الوسائل وأحدثها هي: (القنوات الفضائية), فإنَّ «المتابع لوسائل الإعلام في الآونة الأخيرة يجد أن هناك حُمّى فضائية متسارعة -وأحياناً متصارعة- في سياق متوازٍ مع حُمّى الاستقطاب الديني والطائفي في منطقتنا.
ففي الوقت التي نشاهد فيه تصاعداً في ظهور الفضائيات النصرانيَّة -على سبيل المثال-، فإنَّ توجُّهها الديني يكفي في التحذير من أخطارها، بينما في المقابل نجد أن الفضائيات الشيعية تتسلَّل إلى بيوتنا دون أن نشعر، بل على العكس قد يشعر البعض بنوع من الطمأنينةبالتفاف أفراد أسرته حولها بدلاً من الابتذال الفضائي الموجود حاليًّا، خاصة أن تلك القنوات تغطي مختلف النشاط الإعلامي من الدراما والمسلسلات إلى القنوات الخاصة بالطفل والمرأة وهي ذات تأثير غير مباشر، كما سنرى لاحقاً.
وإن كان للعجب مكان، فلنا أن نعجب أن عدد القنوات الشيعية بلغ (35) قناة تبث سمومها باللغة العربية، وهي موجهة إلى منطقتنا العربية مستهدفة عقيدة شعوبها وانتماءها، في الوقت الذي ليس للسنة قناة واحدة تبثُّ باللغة الفارسية موجَّهة لأهلها.
دولة واحدة ترعى العديد من القنوات التي تبثُّ بغير لغتها، وعشرات الدول السُّنِّية لا نجد من بينها دولة واحدة تتكفَّل بنقل عقيدتها السُّنِّية للشعوب الأخرى بلغتهم الخاصة.
المفارقة الأخرى: أن معظم تلك القنوات الشيعية تبثُّ من خلال الأقمار الصناعية السُّنِّية، في ظلِّ تغاضٍ وتغافل واضح عن أخطارها على جموع الأمة.
والأهمُّ أننا في عصر اشتبك فيه الديني بالسياسي، فأصبح من العسير التفريق بينهما، فمخاطر تلك القنوات الشيعية لا يقف عند حدود العقيدة والدين، لكنها تمتدُّ لتلامس الأوضاع السياسية للدول السنية، وأمنها القومي بالشكل الذي يؤثر على استقرار تلك البلاد ومستقبلها.
نستطيع بكل صراحة أن نقول: إن الفضائيات الشيعية أصبحت ظاهرة في الإعلام العربي! وهي ظاهرة جديرة بالدارسة والرَّصد للوقوف على أخطارها وأثارها على حاضر ومستقبل الأمة». من مقال منشور على شبكة الإنترنت بعنوان: «الفضائيات الشيعية..حرب إيرانية جديدة».
وقد رأيت في بعض المنتديات الشيعية المشهورة بعد سرد عدد من القنوات الفضائية وتردُّداتها على الأقمار الصناعية: أنَّ عدد القنوات والإذاعات الشيعية بلغت قرابة الـ(50) قناة وإذاعة, وأما القنوات الإيرانية وحدها فتبلغ (20) قناة وإذاعة.
وهذا الرقم -وحده- كافٍ لبيان كم هو الجهد المبذول من قبل هؤلاء الروافض لخلع المسلمين -أهل السنة- من معتقداتهم, وتشويه أفهامهم, وتشويش عقولهم, وإدخال الشبهات عليهم لحرفهم عن دينهم.
موقف الشيعة من الأنبياء والمرسلين وتفضيل أئمتهم عليهم:
من العقائد الكفريَّة الباطلة عند الشيعة -وما أكثرها!-: استخفافهم بالأنبياء والمرسلين, وتفضيلهم أئمتهم عليهم, حيث يقول أحد مشايخهم وهو السيد أمير محمد الكاظمي القزويني في كتابه «الشيعة في عقائدهم وأحكامهم» (ص73): «الأئمة من أهل البيت -عليهم السلام- أفضل من الأنبياء».
ويقول آيتهم الخميني في كتابه «الحكومة الإسلامية» (ص52): «فإن للإمام مقاماً محموداً، ودرجة سامية، وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون. وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل».
وقال خاتمة المجتهدين عند الشيعة محمد باقر المجلسي في كتابه «مرآة العقول» (2 /290) (باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدَّث): «.. وإنهم [أي: الأئمة] أفضل وأشرف من جميع الأنبياء سوى نبينا -صلوات الله عليه وعليهم-».
ومن هنا نعلم أن مقام الأنبياء يجوز عليه عندهم ما لا يجوز على أئمتهم, ولو كان فيه نوع انتقاص وازدراء بهم, المهم ألا يمسَّ جناب أئمتهم الاثني عشر المعصومين! فانطلق الشيعة يمثلون الأنبياء غير مبالين بهذه الركيزة وهذا الأصل, وهو احترام جناب الأنبياء وعدم تنقُّصهم, وأن في ذلك انتهاكاً لحرمة الله, ولحرمة الشريعة, التي ما صانوها أصلاً, ولا صانوا صاحبها وحاملها حين كفَّروا أصحابه, وقذفوا زوجاته, وكذبوا عليه, قاتلهم الله…
حكم التمثيل:
ما كتبناه وقدَّمناه مقدمة وتنبيه يحتاج إليها كلُّ مسلم نبيه, ليكون عنده خلفيَّة عن هؤلاء القوم, ولا يَستغرِب أن يصدر منهم ما يمثِّلونه ويبثُّونه على قنواتهم.
أما حكم التمثيل بشكل عام, فهو محرَّم على أرجح الأقوال بناءً على عدة أدلة, منها:
أولاً: ما ثبت عن أمِّنا عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: قلت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: «حسبك من صفية كذا وكذا» تعني: قصيرة. فقال: «لقد قلتِ كلمةً لو مزجت بماء البحر لمزجَتْه». قالت: «وحكيتُ له إنساناً, فقال: «ما أُحِبُّ أَنّي حكيت إنساناً وأنَّ لي كذا وكذا». أخرجه أبو داود والترمذي وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (5515).
قال أبو السعادات -رحمه الله- مفسِّراً المحاكاة: «أي: فعَلْتُ مثل فِعله». «النهاية» (1/421).
قال الشيخ بكر أبو زيد -رحمه الله-: «قوله: «حكيت إنساناً» أي: قلَّدته في حركاته وأقواله, فهي غيبة فعليَّة، وهي كالغيبة القوليَّة في التحريم سواء. ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث: «وأنَّ لي كذا» أي: وأنَّ لي على تلك المحاكاة، وهذا من أدلة التحريم».اهـ «حكم التمثيل» (ص33).
وقال شيخنا عبد المحسن العبَّاد -حفظه الله-: «أي: أنها فعلت مثل فعله، أو قلَّدت هيئته، فقال: «ما أحب أني حكيت إنساناً ولي كذا وكذا» أي: أن هذا العمل غير سائغ، وهذا الحديث يدلُّ على تحريم التمثيل، الذي هو مبنيٌّ على الحكاية، ومبنيٌّ على التقليد، وعلى -كما يقولون- تقمُّص شخصيَّة شخص آخر، وأنه يأتي بحركات وأفعال تضاف إليه، فهو من جملة الأحاديث التي تدلُّ على أنَّ التمثيل الذي ابتُليَ به كثير من الناس في هذا الزمان غير جائز، ومما يدلُّ على تحريمه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ويلٌ لمن يكذب ليضحك القوم، ويلٌ له, ثم ويلٌ له»، ومعلوم أن التمثيلَ مبنيٌّ على الكذب».اهـ «شرح سنن أبي داود» (28/114).
وقال الشيخ بكر -رحمه الله-: «إِنَّ عُشَّاق اللَّهو من العظماء والمترفين لا يمكن التَّجاسر بمحاكاتهم على ملأٍ من الناس، ولو في مواطن الشجاعة والكرم، فكيف تُهدَم حرمات ناس مضوا، وبقي علينا واجب النُّصرة لهم بالإسلام؟ فلننتصر لحفظ حرمتهم، والإبقاء على كرامتهم «وكلُّ المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه»، فكيف إذا كان فيه مواقف من الإيذاء والسخرية والاغتياب، والكذب عليه بقولٍ وما قال، وفعلٍ وما فعل؟!
وإن السؤال ليرد على من يعتني بها، وعلى من يستخرجها، ويتلذَّذ بتمثيل غيره معيَّناً، هل يرضى أن يُمثَّل في مشاهدته، وهو يتحدث مع زوجته، أو قائم في صلاته، أو في حال تلبُّسه بخطيئة، أو في أي دور من أدوار حياته؟!». اهـ «حكم التمثيل» (ص33-34).
ثانياً: أن في التمثيل تشبُّهاً بأهل الكفر والفسوق, وقد نهينا عن التشبه بهم, وخاصة إذا كان متعلِّقاً بقبائحهم ومنكراتهم.
وجاء في المسند وسنن أبي داود عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال: «من تشبَّه بقومٍ فهو منهم». صححه الألباني في «إرواء الغليل» (1269).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم, كما في قوله -تعالى-: )وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ(». اهـ «اقتضاء الصراط المستقيم» (ص83).
قال الشيخ عبد السلام بن برجس -رحمه الله-: «وإذا نظرت إلى هذا التَّقرير البديع في مسألة التشبه، ثم أعملت النظر في تتبع أصول «التمثيل», وإلي أي مِلَّة يرجع، وفي أي قوم ينتشر، ومن أي بلد وفد إلينا؛ تيقَّنت حرمته ونكارته، وقنعت بوجوب هجره وتركه.
وإذ قد تقرَّر أن التمثيل من عبادات الكفار، ثم صار من عاداتهم، وتقرَّر ضابط المشابهة عند أهل السنة والجماعة؛ فلا بأس بإيراد بعض الأدلة الصحيحة الصريحة النَّاهية عن التشبه بالمشركين في كلِّ ما هو من خصائصهم...
فساق الشيخ عدداً من الأدلة المحرِّمة التَّشبُّهَ بالمشركين, ثم قال:
«ولو لم يكن في الأدلة المحرِّمة لهذا «التمثيل» إلا هذا الدليل [الحديث السابق] لكان كافياً في إثبات حرمته قطعاً، وإبطال قول من قال بالجواز تعلُّقاً بشبه لا تثبت أمام هذا الدليل الجبل الذي بنى عليه العلماء أحكاماً كثيرة, وأخذوا منه قواعد صلبة تحكم سير المستجدات في بحر الفقه الإسلامي.
ومن العجب: أن بعض القائلين بجواز التمثيل قد منعوا أموراً؛ لأنها مشابهة للكفار في عاداتهم وتقاليدهم, وهاهم يجيزون التشبه بهم في عباداتهم وشعائرهم..!!
فإلى الله المشتكى من هذا المنهج المضطرب الذي يحكمه السذاجة أو الهوى، وكم قد جني هذا المنهج البائس على أهل السنة والجماعة، وزعزع قواعدهم الراسية؛ حتى نال منها المبتدعة، وضربوا بعضها ببعض.
ولقد صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينما قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع, حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه». قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: «فمن؟». أخرجه الشيخان من حديث أبي سعيد الخدري».اهـ «إيقاف النبيل على حكم التمثيل» (ص44-48).
ثالثاً: أن التمثيل كذب وتصنُّع, فإمَّا أن يمثِّل الممثِّل شخصيَّة وهميَّة مختلقة, وإمَّا أن يمثِّل دور إنسان حقيقي له أصل ووجود وهو ليس به, وكلا الحالتين كذب! ولا شكَّ أن الكذب محرم, بل ومن كبائر الذنوب.
قال الشيخ عبد السلام بن برجس -رحمه الله-: «إن التمثيل لا يخلو من حالتين:
ـ إِمَّا أن يكون أسطورة خياليَّة، لا واقع لها ولا حقيقة.
ـ وإِمَّا أن يكون واقعة سالفة، قام بها أشخاص معيَّنون، على سبيل الحقيقة.
وعلى كلا الحالتين فهو حرام، بدلالة الكتاب والسنة وإجماع العلماء.
أما الحالة الأولى: فهي كذب, والكذب محرم. ووجه كونها كذباً أمور, منها:
1ـ تسمية القائمين بها بغير أسمائهم.
2ـ الانتساب إلى غير الأب الحقيقي.
3ـ تقمُّص شخصية غير شخصية الممثل كقاضٍ، وطبيب، وبائع...
4ـ الأَيْمان التي تقع على أمرٍ ماضٍ أو حاضر يعلم كذبه وتخيُّله.
5ـ التظاهر بالأمراض والعاهات، أو الجهل، أو الخبال، وقد عُلِمَ ضِدُّه.
6ـ الخروج بمظهر الصلاح الكامل، أو الفساد الكامل، أو الوسط.
فالأول: إن سلم من الكذب فهو تزكية. والثاني: إن سلم -أيضاً- من الكذب فهو هتك لستر الله.
وهذه الأوجه وغيرها مما يتضمن الكذب، لا تخلو منها «تمثيلية» قط؛ لعدم تصور الإبداع في غيرها.
فمنع التمثيل لهذا الدليل قوي، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- حرَّم الكذب، ولم يرخِّص فيه إلا في مواضع سيأتي تناولها، وخلاف العلماء في المراد بها..
ثم قال: الحالة الثانية من حالات التمثيل:
إذا كان «التمثيل» لواقعة سالفة، فإن وجه تحريمه أمور، منها:
1ـ الكذب..2ـ التشبُّع بما لم يُعْطَ..3ـ الإفضاء إلى استنقاص الأموات وذكر مساوئهم..4ـ الغيبة..».اهـ «إيقاف النبيل على حكم التمثيل» (ص49-56).
قلت: وإذا كان بعض السلف يعدُّ مجرد لعب الشطرنج كذباً كون لاعبه يدَّعي شيئاً لم يفعله, فكيف بما هو أعظم؟!
فعن ابن أبي ليلى قال: قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: «إن أصحاب الشطرنج أكذب الناس، أو من أكذب الناس، يقول أحدهم قتلت وما قتل». «تحريم النرد والشطرنج للآجري» (1/30).
رابعاً: أنَّ في التمثيل مضيعةً للوقت الذي هو عمر المسلم, والذي سيسأل عنه يوم القيامة فيمَ أفناه؟ وفيه مضيعةٌ لماله الذي سيُسأل عنه -أيضاً- من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟
قال الشيخ بكر أبو زيد -رحمه الله-: «والتمثيل في مسلسلاته ومسرحيّاته التي تستغرق الساعات الطوال، عدوٌّ كاسر على وقت المسلم، وامتصاص للأموال، ولا سيما وقد صار حرفة، بل فنًّا له روّاده ومدارسه ومسارحه.. فكم بذل فيها من جهود، وكم أنفق فيها من مال، والنتيجة هُراء في هُراء، ورعونات يأنف من مشاهدتها الفضلاء». اهـ «حكم التمثيل» (ص38).
حكم التمثيل الدِّيني:
ما ذكرناه آنفاً يتعلَّق بالتمثيل إذا لم يكن يتعبد به لله, ولم يتَّخذ ديانةً, ولم يلصق باسم الدين, وإما إذا نُسِب هذا التمثيل إلى الدين -والدين منه براء- فحينئذ يصبح الأمر أشد, وينتقل العبد به من المعصية إلى البدعة, كون هذا التمثيل محدثاً في الدين, ولم يكن على عهد رسول الله الأمين, ولا صحبه المرضيين, ولا أتباعهم من سلفنا الصالحين, ولا شكَّ أن البدعة أشدُّ وأحبُّ إلى إبليس من المعصية, كما قال الإمام الثوري -رحمه الله-.
قال الشيخ بكر -رحمه الله-: «(التمثيل الديني)! لا عهد للشريعة به، فهو سبيل محدَث، ومن مجامع ملة الإسلام قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»...وفي (التمثيل الديني) يأتي التسلق إلى تمثيل أنبياء الله ورسله، والصحابة من المهاجرين والأنصار، وإلى عظماء الإسلام كافة.
وكان من أبشع ما رأى الراؤون ما عمله ذاك الشقيُّ طه حسين في كتابه «على هامش السيرة»: إنه ليس في حقيقتها، ولكن على هامشها بالاختلاق للتسلية.
إنها محاكاة دينية لإلياذة اليونان، وأساطير الرومان!».«حكم التمثيل» (ص28-41) [بتصرف].
قلت: أي أن طه حسين كتب هذا الكتاب على هامش سيرة المصطفى لا للوعظ والتذكر والتعليم للأمة, بل لمجرد التسلية!! وتقليداً لأساطير الرومان! قاتله الله, أي استهزاء وإلحاد أعظم من هذا؟!
ثم يتابع الشيخ بكر قائلاً: «أجمع القائلون بالجواز المقيَّد، على تحريمه في حقِّ أنبياء الله ورسله -عليهم والصلاة والسلام- وعلى تحريمه في حقِّ أمهات المؤمنين زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم-، وولده -عليهم السلام- وفي حقِّ الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم-. فنسأل المجيز مقيّداً والرسول -صلى الله عليه وسلم- قد قال: «كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه». وهو الذي حرَّم -صلى الله عليه وسلم- المحاكاة، وحرّم الكذب، فلماذا نهدر هذه الحرمات في حقِّ بقية سلف هذه الأمة وصالحيها؟ وفيهم العشرة المبشرون بالجنة، وأعمام النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولُحمة قريش وسُداها -ممن أسلموا- هم عشيرته وقراباته -صلى الله عليه وسلم-، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد أوصى بعترته «أهل بيته» وهكذا في كوكبة الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أقول: اللهم إني أبرأ إليك من إهدار حرمات المسلمين أو النيل منها.
وقد أغنانا الله بقرآن يُتلى، فيه أنواع القصص والعبر، بل فيه أحسن القصص». «حكم التمثيل» (ص42-43) [بتصرف].
قلت: صدقت وربِّ الكعبة..
حكم تمثيل الأنبياء والصحابة والصالحين:
أما تمثيل الأنبياء والمرسلين, والصحابة والصالحين, فلا أحسب مسلماً عاقلاً عنده مسكة عقل ودين يُقِرُّه, بله الإفتاء بجوازه, وتأييد فاعليه, وقد «صدر قرار من المنظمات الإسلامية العالمية المنعقدة في دورتها في مكة المكرمة في ذي الحجة سنة 1390هـ، جاء فيه ما نصه: قرَّر المؤتمر استنكاره الشديد لمحاولة إخراج فيلم سينمائي يُمثَّل فيه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بأية صورة من الصور, أو كيفية من الكيفيات، كما يستنكر تمثيل الصحابة -رضوان الله عليهم-، ويناشد المؤتمر كلَّ الحكومات الإسلامية أن تقضي على هذه المحاولة في مهدها». «البحوث العلمية لهيئة كبار العلماء» (4/142).
وقد حاول بعضهم! قديماً أن يمشِّي هذا التمثيل الباطل لقصص الأنبياء, ويفتي بجوازه بحجة أنه وعظ مؤثِّر في عوامِّ النَّاس, فتصدَّى لهم جهبذ زمانه, وعالم عصره وأوانه الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله تعالى- (ت:1354هـ) صاحب مجلة «المنار» و«تفسير المنار».
قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: «وأما تمثيل قصص الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- فقد علَّلوه بأنه درس وعظ مؤثر، يعنون أنَّ كلَّ ما كان كذلك فهو جائز، وهذه الكلية المطوية ممنوعة، وتلك المقدمة الصريحة غير متعيِّنة، فإن هذه القصص قد توضع وضعاً منفِّراً، فلا تكون وعظاً مؤثراً، وإن من الوعظ المؤثر في النفوس ما يكون كلُّه أو بعضه باطلاً، وكذباً وبدعاً، أو مشتملاً على مفسدة أو ذريعة إليها، ويشترط في جواز الوعظ أن يكون حقًّا لا مفسدة فيه، ولا ذريعة إلى مفسدة.
وبناء على هذا الأصل ننظر في هذه المسألة من وجوه:
أحدها: أنَّ العرف الإسلامي العام يعدُّ تمثيل الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- إهانة لهم أو مزرياً بقدرهم، وممَّا أعهد من الوقائع في ذلك أن بعض النصارى كانوا أرادوا أن يمثِّلوا قصة يوسف -عليه السلام- في بعض المدن السورية فهاج المسلمون لذلك، وحاولوا منعهم بالقوة، ورفع الأمر إلى الآستانة، فصدرت إرادة السلطان عبد الحميد بمنع تمثيل القصة وأمثالها (1).
فإن قيل: إن بعض مسلمي مصر كأولئك المتعلِّمين القائلين بالجواز لا يعدُّون ذلك إهانة ولا إزراء، إذ لا يخفى على مسلم أن إهانة الأنبياء أو الإزراء بهم أقل ما يقال فيه: إنه من كبائر المعاصي، وقد يكون كفراً صريحاً ورِدَّةً عن الإسلام.
نقول: إنما العبرة في العرف بالجمهور الذي تربَّى على آداب الإسلام وأحكامه، لا بالأفراد القلائل ومَن غلبت عليهم التقاليد الإفرنجية حتى صاروا يفضلونها على الآداب الإسلامية...
بل يغلب على ظني أن أكثر الناس يعدون تمثيل الأمراء والسلاطين، وكبار رجال العلم والدين، مما يزري بمقامهم، ويضع من قدرهم، وأنَّ أحداً من هؤلاء الكبراء لا يرضى لنفسه ذلك...
الوجه الثاني: أن أكثر الممثلين لهذه القصص من سواد العامة، وأرقاهم في الصناعة؛ لا يرتقي إلى مقام الخاصة، فإن فرضنا أن جمهور أهل العرف لا يرون تمثيل الأنبياء إزراء بهم على إطلاقه، أفلا يعدون من الإزراء والإخلال بما يجب لهم من التعظيم: أن يسمى: (السي فلان) أو (الخواجة فلان) إبراهيم خليل الله، أو موسى كليم الله، أو عيسى روح الله، أو محمداً خاتم رسل الله؟ فيقال له في دار التمثيل: يا رسول الله! ما قولك في كذا. . .؟ فيقول: كذا. . . ولا يبعد بعد ذلك أن يخاطبه بعض الخلعاء بهذا اللقب في غير وقت التمثيل على سبيل الحكاية، أو من باب التهكم والزراية، كأن يراه بعضهم يرتكب إثماً، فيقول له: مدد يا رسول الله! ألا إن إباحة تمثيل هؤلاء الناس للأنبياء قد تؤدِّي إلى مثل هذا، وكفى به مانعاً لو لم يكن ثَمَّ غيره.
الوجه الثالث: تمثيل الرسول في حالة أو هيئة تزري بمقامه ولو في أنفس العوام، وذلك محظور، وإن كان تمثيلاً لشيء وقع.
مثل ذلك: أن يمثل بعض هؤلاء الممثلين المعروفين يوسف الصديق -عليه السلام- بهيئة بدويٍّ مملوك تراوده سيدته عن نفسه وتقدُّ قميصه من دبره، ثم يمثِّله مسجوناً مع المجرمين...
فتمثيل أحوال الأنبياء وشؤونهم البشرية بصفة تعدُّ زراية عليهم، وازدراء بهم، أو مفضية إلى ضعف الإيمان والإخلال بالتعظيم المشروع؛ مفسدة من المفاسد التي يحظرها الشرع، فكيف إذا أضيف إليها كون التمثيل في حدِّ ذاته يعدُّ في العرف العام تنقيصاً أو إخلالاً ما بما يجب من التكريم وكون الممثلين من عوام الناس، وقد علمت ما في هذا وذاك.
الوجه الرابع: أن من خصائص القصص التمثيلية: الكذب، وأن الكذب على الأنبياء ليس كالكذب على غيرهم،... فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «إن كذباً عليَّ ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي متعمِّداً فليتبوّأ مقعده من النار». رواه الشيخان في الصحيحين وغيرهما من حديث سعيد بن زيد،... والكذب عليهم يشمل ما يحكى عنهم من أقوال لم يقولوها، وما يسند إليهم من أعمال لم يعملوها.
فإن قيل: إنه يمكن وضع قصة لبعض الرسل يلتزم فيها الصدق في كلِّ ما يُحكى عنه، أو يسند إليه.
قلنا: إن النقل الذي يعتدُّ به عند المسلمين هو نقل الكتاب والسنة، ولا يوجد قصة من قصص الأنبياء في القرآن يمكن فيها ذلك إلا قصة يوسف، وكذا قصة موسى، وقصة سليمان مع ملكة سبأ، إذا جعل التطويل فيهن في غير الحكاية عنهم، والأولى هي التي يرغب فيها الممثلون، ويرجى أن يقبل على حضور تمثيلها الكثيرون، وفيها من النظر الخاص ما بيناه في الوجه الثالث، وأما السنة فليس في أخبارها المرفوعة ولا الموقوفة ما يبلغ أن يكون قصَّةً تصلح للتمثيل إلا وقائع السيرة المحمديَّة الشريفة، والعلماء بها لا يكاد أحد منهم يقدم على جمع طائفة منها وجعلها قصة تمثيلية.
وإذا فُتح هذا الباب، ووجد منهم مَن يدخله على سبيل النُّدور, لا يلبث أن يسبقه إليه كثير من الجاهلين بالسنة، المتقنين لوضع هذه القصص بالأسلوب الذي يرغب فيه الجمهور، فيضعون من قصص الأنبياء -المشتملة على الكذب- ما يكون أروج عند طلاب الكسب بالتمثيل، فيكون وضع الصحيح ذريعة إلى هذه المفسدة.
فعُلم من هذه الوجوه أن جواز تمثيل قصة رسول من رسل الله -عليهم السلام- يتوقَّف على اجتناب جميع ما ذُكر من المفاسد وذرائعها، بحيث يرى مَن يعتدُّ بمعرفتهم وعُرفهم من المسلمين أنه لا يُعَدُّ إزراءً بهم، ولا منافياً لما يجب من تعظيم قدرهم، صلوات الله وسلامه عليهم وعلى مَن اهتدى بهم». «مجلة المنار» (20/310) [بتصرف يسير].
وقد صدرت فتوى من اللجنة المختصة بالفتوى في (مجلة الأزهر) في عددها الصادر في رجب عام 1374هـ في حكم تمثيل الأنبياء, ومما جاء فيها: «هل يمكن تمثيل الأنبياء؟لندع القصص المكذوبة على أنبياء الله جانباً، ولنفترض أن التمثيل لا يتناول إلا القصص الحقّ الذي قدَّمنا شذرات منه عاجلة، ثم نتساءل:
1ـ كيف يُمَثَّل آدمُ أبو البشر وزوجُه وهما يأكلان من الشجرة؟ وما هي هذه الشجرة؟ أهي شجرة الحنطة؟ أم هي شجرة التين؟ أم هي النخلة؟
وعلى أيِّ حال نمثلهما وقد طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة؟ وهل نمثِّل الله -تعالى- وقد ناداهما: ﴿أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾؟! أو نترك تمثيله -تعالى- وهوركن في الرواية ركين؟! سبحانك سبحانك، نعوذ بك من سخطك ونقمتك ومن هذا الكفر المبين!
2ـ وكيف يُمَثَّل موسى وهو يناجي ربه؟ وكيف يُمَثَّل وقد وكز المصريَّ فقتله؟ بل كيف يُمَثَّل وقد أحاط به فرعون والسحرة، ورماه فرعون بأنه مهين، ولا يكاد يبين؟ وكيف تُمَثَّل العقدة التي طلب من الله أن يحلَّها من لسانه؟ وما مبلغ كفر النَّظّارة والممثلين إذا أفلتت -ولا بد أن تفلت- منهم فلتة مضحكة أو هازئة حينما يتمثلون الرسولَين وقد أخذ أحدُهما برأس الآخر وجرَّه إليه؟
وما مبلغ التبديل والتغيير لخلق الله الفطري ليطابق هذا الخلق الصناعي وقد عملت فيه أدوات الأصباغ والعلاج عملها؟
3ـ وكيف يُمَثَّل يوسف الصديق وقد همَّت به امرأة العزيز وهمَّ بها لولا أن رأى برهان ربه؟ وما تفسير الهمِّ في لغة الفن؟
4ـ وكيف يُمَثَّل أنبياء الله وأقوامهم يرمونهم بالسِّحر تارة، وبالكهانة والجنون تارة أخرى؟ بل كيفيُمَثَّلون حينما كانوا يرعون الغنم «وما من نبي إلا رعاها»؟ بل كيف يُمَثَّلون وقد آذاهم المشركون ولم يستحِ بعضهم أن يرمي القذر والنَّجس على خاتم النبيين وهو في الصلاة والكفار يتضاحكون؟ سيقول السفهاء من النظارة -وما أكثرهم- مقالة المستهزئين الكافرين من قبل: ﴿أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا﴾؟ وسيغضب فريق لأنبياء الله ورسله فيقاتلون السفهاء، وينتقمون منهم، وتقوم المعارك الدينية لا محالة ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾.
لسنا بحاجة بعد هذا إلى بيان أن من قصص الأنبياء ما لا يستطاع تشخيصه، وأن ما يستطاع تشخيصه من قصصهم فهو تنقيص لهم، وزراية بهم، وحطٌّ من مقامهم، وانتهاك لحرماتهم وحرمات الله الذي اختارهم لرسالته, واصطفاهم لدعوته, لا ريب في ذلك كله ولا جدال.
وهذا كله في القَصص الحقِّ الذي قصَّه الله علينا ورسوله، وأما القصص الباطل -وما أكثره- فهو زور على زور، وكفر على كفر، وهو البلاء والطامة.. وما نظن أن أحداً يستطيع أن يجادل في هذه الحقائق الناصعة, وأكبر علمنا أن أول من يخضع لها ويؤمن بها هم أهل الفن أنفسهم، فإنهم أرهف حسًّا، وأشد إدراكاً لمقتضيات التمثيل وملابساته.
على أنا لو افترضنا محالاً، أو سلَّمنا جدلاً بأنَّ تمثيل الأنبياء لا نقيصة فيه ولا مهانة، فلن نستطيع بحال أن نتجاهل أنه ذريعة إلى اقتحام حمى الأنبياء وابتذالهم، وتعريضهم للسخرية والمهانة، فالنتيجة التي لا مناص منها ولا مفرَّ: أن تشخيص الأنبياء تنقيص لهم، أو ذريعة إلى هذا التنقيص لا محالة...
إِنَّ حقًّا محتوماً علينا أن نُجِلَّ الأنبياء، وأن نُجِلَّ آل الأنبياء وأصحاب الأنبياء عن التمثيل والتشخيص، واحتراماً وإجلالاً للأنبياء أنفسهم؛ لأن حرمتَهم مستمدَّةٌ من حرمة الأنبياء، كما أن حرمة الأنبياء مستمدَّةٌ من حرمة الله -عز وجل-، وهذا بعض حقهم على الإنسانية جزاء ما صنعوا لها من جميل، وأدوا إليها من إحسان.
وجملة القول: أن أنبياء الله -تعالى- ورسله معصومون بعصمة الله لهم من النقائص الخلقية والخلقية، وأن تمثيلهم تنقيص لهم، أو ذريعة إلى التنقيص لا محالة، وكلاهما مفسدة أو مؤدٍّ إلى المفسدة التي من شعبها إثارة العصبيات والفتن التي لا يعلم مداها إلا الله -تعالى-...
وفي قصص الأنبياء كفاية [لمن أراد الحق, وقد قال -تعالى-]: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾. وأن العبرة لا تزال ماثلة في مواطنها، واضحة في معالمها، ينتفع بها في القرآن الكريم، وصادق الأخبار، ولو شئنا لأطلنا، ولكن في هذا بلاغاً.
النتيجة: من أجل ما قدمنا تقرر في إثبات واطمئنان أنه لا ينبغي ولا يحلُّ بحال أن يُشَخَّص الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- في المسرح، ولا على شاشة السينما.
10 من جمادى الآخرة سنة 1374 هـ الموافق 3 من فبراير سنة 1955م.
عبد اللطيف السبكي: مدير التفتيش وعضو جماعة كبار العلماء, طه محمد الساكت, حافظ محمد الليثي: من مفتشي العلوم الدينية والعربية, عبد الكريم جاويش». «البحوث العلمية لهيئة كبار العلماء» (4/157-163).
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة برئاسة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- فتوى جاء فيها:
«تمثيل الصحابة أو أحد منهم ممنوع؛ لما فيه من الامتهان لهم والاستخفاف بهم وتعريضهم للنيل منهم، وإن ظن فيه مصلحة فما يؤدي إليه من المفاسد أرجح، وما كانت مفسدته أرجح فهو ممنوع، وقد صدر قرار من مجلس هيئة كبار العلماء في منع ذلك».«فتاوى اللجنة الدائمة» (1/712).
قلت: وهذا في حق الصحابة الغر الميامين! فما بالك بالأنبياء والمرسلين؟!
ومن العلماء المعاصرين الذين أفتوا بحرمة التمثيل:
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز, الشيخ محمد ناصر الدين الألباني, الشيخ محمد بن صالح العثيمين, الشيخ عبد الرزاق عفيفى, الشيخ حماد الأنصاري, الشيخ مقبل بن هادي الوادعي, الشيخ عبد الله الدويش, الشيخ عبد الله بن حسن بن قعود, الشيخ حمود بن عبد الله التويجري, الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد -رحمهم الله-, الشيخ عبد المحسن العباد, الشيخ صالح بن فوزان الفوزان, الشيخ ربيع بن هادي المدخلي, الشيخ صالح بن عبد الرحمن الأطرم -حفظهم الله-, وغيرهم.
* * * * *
وبعد:
مسلسل قصة يوسف وما اشتمل عليه من أفعال شنيعات محرَّمات ومحظورات منكرات:
ومما جاء في هذا المسلسل الذي فيه أعظم الإساءة لخير خلق الله: (أنبياء الله ورسله) من منكرات جليَّات, ومخالفات واضحات, لا يقرُّها إلا رديّ, ولا يرضاها مسلم سويّ:
1ـ ظهور أشخاص الأنبياء: (يعقوب ويوسف -عليهما السلام-)!
بل ويظهرونهما في صورة ممتهنة, كراعِ غنم, وعبدٍ مملوك, وفي نهاية المسلسل عندما يلتقي الأب بابنه! يركضان وهما يصرخان, ويسقطان أرضاً مراراً, ويتدحرج يعقوب -عليه السلام- عدة مرات, ثم يتعانقان ويبكيان طويلاً في مشهد مؤثِّر لمن خلا قلبه من المحبة الحقيقية لهما.
والذي مثَّل دور نبي الله يوسف (كما في مقابلة له على قناة الكوثر الشيعيَّة) هو أحد فسَّاق السينما الفارسية في إيران واسمه: (مصطفى زماني) من مواليد (عام: 1982م) في مدينة (فريدون كنار), وهو طالب في إحدى الجامعات الإيرانية, وقد تم اختياره من بين (3000) متقدِّم لهذا الدور, (عام 2004م) وكان شرطهم أن يكون ظهوره لأول مرة, ووقع عليه الاختيار -بالطبع- لوسامته! وجماله! وأناقته! وكونه متلقياً دورة في الفروسية, ودورة في الرياضة وكمال الأجسام ليناسب الدور!
ثمَّ إنَّ هذا الممثل اختير لتمثيل دور البطل بعدها في فيلم سينمائي اسمه: (آل)!! مع امرأة متبرجة هي البطلة في الفيلم.
وقد كان الذي مثَّل الدَّور وهو صغير: ممثل إيراني آخر اسمه (حسين جعفري), وله لقاء على (قناة المنار) الشيعيَّة.
فأقول: نراهم يتورَّعون عن تمثيل نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- في مثل هذه الأدوار! ويعظِّمون بزعمهم جنابه الشريف! وها هم يجوِّزون امتهان هؤلاء الأنبياء, وتقمص شخصياتهم! فما هذا التفريق؟ وأين هم من قوله -تعالى-: ﴿لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ﴾. [البقرة:285]؟
بل إن الرافضة في تمثيلهم لا يصوِّرون وجه علي -رضي الله عنه- فضلاً عن نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-, وهذا يؤكِّد أن عليًّا عندهم أعظم من الأنبياء, بل هو عندهم من فروع الربوبية!! وهو الذي يخلق!! ويُدخِل الجنَّة والنار!!
2ـ ظهور أشخاص الملائكة: (جبريل, وملك الموت -عليهما السلام-)!
لم يكتفِ الروافض بتمثيل أنبياء الله يوسف يعقوب -عليهما السلام-! بل تجاوزوا تمثيل البشرإلى تمثيل الملائكة -أيضاً-, فقام أحد ممثليهم ممن الله أعلم بحاله ومعاصيه! بتمثيل دور جبريل -عليه السلام-! وأطلقوا عليه: رسول الله الأحد! وقام رجل ثانٍ بتقمُّص شخصية ملك الموت -عليه السلام-! وأسمَوه كما في الإسرائيليات: (عزرائيل) وهو اسم لا أصل له في الكتاب والسنة, والذي ظهر في المسلسل فجأة ليخبر يعقوب بأن ابنه يوسف ما زال حيًّا ثم عاد واختفى فجأة.
فأحسن الله عزاء المسلمين بهم, وإنا لله وإنا إليه راجعون..
لم يبقَ إلا أن يأتوا بصوت وصورة ويقولوا: هذا صوت الله, وهذه صورة ربِّ العزة -تعالى الله عن إفكهم وضلالهم علوًّا كبيراً-.
3ـ التوسُّل بآل البيت ومحاولة نشر عقيدة الشيعة في الأئمة:
وهذا من صُلب عقيدة الشيعة التي يحاولون تشويه عقيدة أهل السنة بها وبإدخالها عليهم, فهم دائمو الدندنة بقضية الولاية, فهم يحاولون تقرير عقيدة ولاية الأئمة عندهم كلما سنحت لهم الفرصة, وأنها أفضل من النبوة, كقول يعقوب ليوسف حين سجد له هو وأبناؤه ورفضه تقبيل يوسف يده قائلاً: أنت لك الولاية على أبيك! أي: أنها أعظم من النبوة بدرجات.
وهذا يذكرنا بقول بعض ضُلال الصوفية وهو ابن عربي في «فصوصه»:
مَقَامُ النُّبُوَّةِ فِي بَرْزَخٍ *** فُوَيْقَ الرَّسُولِ وَدُونَ الْوَلِيّ
وانظر لذلك: «مجموع فتاوى ابن تيمية» (2/221), و(4/171), و(11/226), و(12/399).
وكما في المقطع الذي لم تتم دبلجته في المسلسل من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية, عندما قال له من يمثل دور جبريل!: «كم أصبعاً في يديك؟ وكم خيطاً لديك؟ فقال: خمسة أصابع, وأربعة عشر خيطاً. فقال: توسَّل بهم, وسيُكتشف هذا الرمز عند ظهور آخر الأنبياء, ورمز الوجود يكمن في هذين الرقمين, توسَّل بهما وستجد النجاة والراحة».
طبعاً والمقصود بهذين الرقمين:
الرقم (5): (النبي, وفاطمة, وعلي, والحسن, والحسين).
والرقم (14): (الأئمة الاثنا عشر المعصومون, والنبي, وفاطمة).
والله المستعان..
ومن الأدلة على محاولة نشر عقيدة الشيعة -أيضاً- في هذا المسلسل؛ ما اعترف به ممثل دور يوسف -عليه السلام- (مصطفى زماني) في المقابلة التي أجريت معه في قناة (الكوثر) الشيعية عن المقارنة بين يوسف والمهدي, وأن انتظار يعقوب لابنه يشبه انتظار الشيعة لمهديهم, وأنهم سيرونه لا محالة ولو بعد حين, كما رأى يعقوب ابنه بعد طول انتظار!
4ـ إظهار يوسف -عليه السلام- بمنظر مَهين في عدة مواضع:
وذلك بضرب إخوته له وإدماء وجهه, ورميه في البئر, وصفع امرأة العزيز له على وجهه عندما رفض طاعتها في المعصية, وغير ذلك..
وهذا كلُّه من الكذب على الأنبياء والمرسلين, ومن المعلوم الكذب عليهم ليس ككذب على أحد من الناس! وهذا غير مستغرب من هؤلاء! كيف لا والشيعة أكذب الملل والطوائف على مرِّ التاريخ.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: «وقد اتفق أهل العلم بالنقل والرواية والإسناد على أن الرافضة أكذب الطوائف, والكذب فيهم قديم, ولهذا كان أئمة الإسلام يعلمون امتيازهم بكثرة الكذب.
قال أبو حاتم الرازي: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: قال أشهب بن عبد العزيز: سئل مالك عن الرافضة؟ فقال: لا تكلِّمهم, ولا تروِ عنهم؛ فإنهم يكذبون. وقال أبو حاتم: حدثنا حرملة قال: سمعت الشافعيَّ يقول: لم أرَ أحداً أشهد بالزور من الرافضة. وقال مؤمِّل بن إهاب: سمعت يزيد بن هارون يقول: يكتب عن كل صاحب بدعة -إذا لم يكن داعية- إلا الرافضة فإنهم يكذبون».اهـ «منهاج السنة النبوية» (1/26).
5ـ تمثيل أدوار الكفرة والمشركين, والتَّلفُّظ بأقوالهم وكفريَّاتهم:
وذلك بقيام بعض الممثلين -الذين ربما مثَّلوا في مسلسل آخر دور نبي أو صحابي أو رجل صالح- بتقمُّص شخصية كافر أو مشرك معروف: يعظِّم آلهتهم الباطلة ويمجِّدها, ويعادي الدين, ويسبُّ الله والأنبياء والإسلام, ويسجد للأصنام, كمن كانوا يعبدون الآلهة! (عشتار) في أوائل الحلقات, ثم الذين كانوا يعبدون الآلهة! (أمون) في آخر المسلسل, وغيرهم..
«ويحصل ذلك عندما يمثل الرجل دور أحد الكفرة؛ فيحاكي أفعاله و يتلفظ بأقواله، وهو مجتهد في إتقان ذلك متفاعل فيه، كما حصل لبعضهم حين مثَّل نفسه من أهل الجاهلية، فسجد للقبر، بمشهد من الناس, وكما حصل لآخر حينما مثل دور رئيس دولة كافر، فسبَّ الإسلام وصرَّح بخطره على الحضارة، وتناول من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, كل ذلك وقع بحضرة ملأ من الناس, وأمثاله كثير.
ولا شكَّ أن هذا العمل كفر مخرج من دين الإسلام، علي أيِّ وجه قام به «الممثل».
قال -تعالى-: ﴿..وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ *لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ..﴾ [التوبة:64-65].
..قال الإمام أبو بكر الجصاص على هذه الآية: «فيه الدلالة على أن اللاعب والجاد سواء في إظهار كلمة الكفر على غير وجه الإكراه؛ لأن هؤلاء المنافقين ذكروا أنهم قالوا ما قالوه لعباً، فأخبر الله عن كفرهم باللعب ذلك.. إلى أن قال: فأخبر أن هذا القول كفر منهم على أي وجه قالوه من جِدٍّ أو هزل، فدلَّ على استواء حكم الجادِّ والهازل في إظهار كلمة الكفر». «أحكام القرآن» (3/142).
وقال الإمام أبو بكر بن العربي على هذه الآية: «لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جدًّا أو هزلاً، وهو -كيفما كان- كفر؛ فإن الهزل بالكفر كفر, لا خلاف فيه بين الأمة.. إلخ». اهـ من «أحكام القرآن».
وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في آخر «نواقض الإسلام»: «ولا فرق في جميع هذه النواقص بين الهازل, والجاد، والخائف، إلا المكره, وكلها من أعظم ما يكون خطراً، وأكثر ما يكون وقوعاً؛ فينبغي للمسلم أن يحذرها، ويخاف على نفسه، نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه»..
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله في شرحه لكتاب «التوحيد»: «أي أنه يكفر بذلك، لاستخفافه بجانب الربوبية والرسالة، وذلك منافٍ للتوحيد.
ولهذا أجمع العلماء على كفر من فعل شيئاً من ذلك، فمن استهزأ بالله، أو بكتابه, أو برسله, أو بدينه كفر، ولو هازلاً لم يقصد حقيقته الاستهزاء إجماعاً».اهـ
فتبين من كلام هؤلاء العلماء وحكاياتهم الإجماع: أن من تلفظ بكلمة الكفر -ولو هازلاً-؛ فهو كافر, فما هو حال العامل بالكفر هزلاً؟
قال العلامة بن حجر الهيتمي -عفا الله عنه-: «وقد أجمع السلف والخلف على حكايات مقالات الكفرة والملحدين في كتبهم ومجالسهم، لبيانها وردها.
وإن كان على وجه الحكايات والأسمار، والظرف وأحاديث الناس، ومقالاتهم في الغث والسمين, وهو الكلام الجامع لاختلاف الدلالات: حسناً وقبحاً؛ إذ الغث: الهزيل، ونوادر السخفاء، والخوض في قيل وقال، وما لا يعني, فكلُّ هذا ممنوع منه، وبعضه أشد في المنع والعقوبة من بعض.
وقد سأل رجل مالكاً عمَّن يقول: القرآن مخلوق؟ فقال مالك: كفر, اقتلوه.
فقال: إنما سمعته عن غيري. فقال مالك: إنما سمعناه منك».اهـ «الإعلام بقواطع الإسلام» (2/385).
وقد جاءت أحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في التحذير من الحلف بملةٍ غير ملة الإسلام, سواء كان الحالف كاذباً أو صادقاً.
ففي الصحيحين- وغيرهما- عن ثابت بن الضحاك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من حلف بغير ملة الإسلام فهو كما قال» الحديث.
وفي سنن النسائي عن بريدة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من قال: إني بريء من الإسلام، فإن كان كاذباً فهو كما قال، وإن كان صادقاً لم يعد إلى الإسلام سالماً».
صححه النسائي كما في «فتح الباري» (10/539)». «إيقاف النبيل» (ص67-70) [بتصرف].
6ـ مخالفة ظاهر القرآن بتحريفهم بعض تفاصيل القصَّة, والنقل عن الإسرائيليات واعتمادها بدل صحيح السنة:
قال الشيخ ابن سعدي -رحمه الله- في أول تفسيره لسورة يوسف: «واعلم أن الله ذكر أنه يقصُّ على رسوله أحسن القصص في هذا الكتاب، ثم ذكر هذه القصة وبسطها، وذكر ما جرى فيها، فعلم بذلك أنها قصة تامة كاملة حسنة، فمن أراد أن يكملها أو يحسنها بما يذكر في الإسرائيليات التي لا يعرف لها سند ولا ناقل وأغلبها كذب، فهو مستدرك على الله، ومكمل لشيء يزعم أنه ناقص، وحسبك بأمر ينتهي إلى هذا الحد قبحاً، فإنَّ تضاعيف هذه السورة قد ملئت في كثير من التفاسير، من الأكاذيب والأمور الشنيعة المناقضة لما قصَّه الله تعالى بشيء كثير.
فعلى العبد أن يفهم عن الله ما قصَّه، ويدع ما سوى ذلك مما ليس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ينقل».اهـ
قلت: مثال ذلك: في قوله -تعالى-: ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العَرْشِ﴾ بيان أن أباه وأمه قد عاشا إلى نهاية الأحداث التي جرت معه كما هو ظاهر القرآن, ولكن الشيعة هنا مجاراة ومشابهة لليهود جعلوها في هذا المسلسل تموت وهو طفل صغير.
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: «قيل: كانت أمه قد ماتت كما هو عند علماء التوراة.
وقال بعض المفسرين: فأحياها الله -تعالى-, وقال آخرون: بل كانت خالته ليا والخالة بمنزلة الأم.
وقال ابن جرير وآخرون: بل ظاهر القرآن يقتضي بقاء حياة أمه إلى يومئذ, فلا يعوَّل على نقل أهل الكتاب فيما خالفه. وهذا قوي والله أعلم». «البداية والنهاية» (1/251).
ومن ذلك زواجه -عليه السلام- من امرأة العزيز, وعودتها شابَّة بعدما شاخت وكبرت! وردُّه بصرها عليها بعدما عميت! وهذا كلُّه محض إسرائيليات لا تقابَل بالتَّسليم عند أولي العقل السليم.
ومن المعلوم أنَّ أخبار نبي الله يوسف -عليه السلام- لا مجال لمعرفتها إلا بنصوص الوحي, أو عن طريق الإسرائيليات, ولا شكَّ أن أكثر نصّ المسلسل مستقىً من الأخيرة, ومن عقليّة المخرج أو المؤلف للسيناريو! اللَّذَين لا يصلحان أن يعتمد عليهما في معرفة الغيوب.
7ـ الآثار السَّلبيَّة لهذا المسلسل على المشاهدين:
وذلك في بقاء صورة هذا الممثِّل ملتصقةً باسم هذا النبيِّ أو ذاك المَلَك وعالقةً في ذهن المشاهد, فإذا ذكر نبيُّ الله يوسف بعد ذلك, أو مرَّ اسمه على سمع من شاهد المسلسل, أو قرأ السورة في القرآن, أوَّل ما يتبادر في الذهن الممثِّل الإيراني الرافضي الذي شاهده! وكفى بذلك تنقُّصاً وازدراءً لشخص هذا النَّبيِّ من جهة, ومسخاً لعقل وتصوُّر المشاهد المسلم من جهة أخرى.
ثم ما هي الآثار الإيجابية لهذا المسلسل في نصرة الإسلام والمسلمين؟!
وما النَّصر الذي حقَّقه في رفع راية الدين؟!
وهل رأينا الناس -على إثره- يدخلون في دين الله أفواجاً؟!!!
بل إنهم يَصدُق عليهم -تماماً- كلمة شيخ الإسلام -رحمه الله-في حقِّ أمثالهم-: «لا للإسلام نصروا, ولا لعدوِّه كسروا؛ بل كان ما ابتدعوه مما أفسدوا به حقيقة الإسلام على من اتَّبعهم؛ فأفسدوا عقله ودينه, واعتدوا به على من نازعهم من المسلمين, وفتحوا لعدوِّ الإسلام باباً إلى مقصوده». «مجموع الفتاوى» (5/544).
بل وجدتُ أَنَّ تمثيل هذا الممثل لدور يوسف -عليه السلام- أثر على شخصه هو أيضاً, فقد صرَّح في مقابلته -المذكورة سابقاً-: أنه صار يخالجه اعتقاد مواقف النبوة, ويحسُّ إحساساً غريباً أنه يخرج عن طوره الذي هو فيه, فلربما كان ذلك يشبه الإحساس بنبوته, واستشعاره المواقف التي مرَّ بها نبي الله يوسف, وبكائه عند كل موقف!
وكذلك ذكر قضية العشق الإلهي والفناء في حب الله!!
فهذا من نتائج وثمرات هذا المسلسل على الممثل نفسه, وربما شاركه غيره من الممثلين بما ذكر, فكيف بملايين المشاهدين أيضاً؟! ما هو الشعور الذي يخالجهم عند مشاهدة المسلسل؟ ربما تأتي لحظات على المشاهد وهو يعتقد أن من يراهم من ممثلين فسقة هم حقاً الأنبياء, والملائكة, والصالحون, وكفى بذلك تشويهاً, وتغييراً لتصور المسلمين, واعتقادهم.
8ـ تمثيل النساء وظهور العورا